فصل: قال عبد الفتاح القاضي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ملا حويش:

تفسير سورة الناس:
عدد 21 – 114.
نزلت بمكة بعد الفلق.
وهي ست آيات.
وعشرون كلمة.
وتسعة وسبعون حرفا.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1} أي كما أمرناك أن تستعيذ برب الفلق فاستعذ برب الناس وحافظهم مما يضرهم مادة ومعنى، وهو {مَلِكِ النَّاسِ 2} ومالك أمرهم ومدبر أمورهم وقد وصف جل شأنه نفسه بأنه رب الناس، لأن الرب قد يكون ملكا، وقد لا يكون ملكا، فنبه جل شأنه على أنه ربهم.
ثم ان الملك قد يكون إلها وقد لا يكون، فنبه على أنه {إِلهِ النَّاسِ 3} وأن الإلهية الحقيقية خاصة به، وكرر لفظ الناس لشرفهم على غيرهم من خلقه، وكما ينبغي التعوذ من الناس وأقوالهم وأفعالهم، ينبغي التعوذ أيضا {مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ} الشيطان ومعنى الوسواس والوسوسة الصوت الخفي والهمز، وقد وصفه بقوله: {الْخَنَّاسِ 4} أي الرجاع لأنه كلما ذكر اللّه يخنس ويتأخر، ويطلق على المختفي لأنه عند الغفلة ينهض ويوسوس قال سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربه خنس وتأخر وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة ولم تنقل لعدم الوقوف: على صحتها، وان كان معناها صحيحا.
واعلم أن الوسوسة للانسان من الشيطان تأتيه لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} الآية 200 من الأعراف الآتية وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} الآية 35 من الزخرف، وبوصفه في قوله تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ 5} بإلقاء كلام خفي في قلوبهم يصل مفهومه إليها من غير سماع ولا مانع عقلا في ذلك، لما جاء في الحديث الصحيح أن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم، وأخرج ابن شاهين عن أنس قال سمعت رسول اللّه يقول: «إن للوسواس خطما كخطم الطائر فإذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار في أذن القلب يوسوس فإن ذكر اللّه نكص وخنس» فلذلك سمى الوسواس الخناس وهو قد يكون {مِنَ الْجِنَّةِ} الأشخاص المتسترين عن أبصار الخلق وهم المعنيون بقوله تعالى: {إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} الآية 46 من سورة الأعراف الآتية ويكون {من النَّاسِ 6} ويفعل فعل الجنّة وأكثر لأن وسوسة الناس بعضهم لبعض مشاهدة بمثابة الناصحين ف إذا قبل منه زاد في الوسوسة وإذا كره أمسك عنه وجاءه من طريق آخر قال تعالى: {شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقول غُرُورًا} الآية 113 من الانعام فقد قدم الأنس على الجن وأمر بالاستعاذة من كليهما قال الإمام الأبوصيري ان بعض الأولياء سأل اللّه تعالى أن يريه كيف يأتي الشيطان ويوسوس فأراه اللّه تعالى هيكل الإنسان في صورة بلّور وبين كنفيه شامة سوداء كالعش والوكر فجاء الخنّاس يتجسس من جميع جوانبه وهو في صورة الخنزير له خرطوم كالفيل، فأدخل خرطومه من بين الكتفين من قبل قلبه فوسوس اليه فذكر اللّه فخنس ورآه، لذلك سمي الخناس لأن نور الذكر ينكصه على عقبه ولهذا السر الإلهي كان خاتم النبوة في هذا المحل إشارة إلى عصمته صلى الله عليه وسلم منه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أعانني اللّه عليه فأسلم بالختم وما أسلم قرين آدم فوسوس اليه».
هذا على الرواية بأن الفعل فعل ماض، وعلى رواية انه فعل مضارع يكون بمعنى السلامة لا بمعنى الإسلام، تدبر.
وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم من بين الكتفين ويأمر بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم كما مر في الحديث.
وقال بعض العارفين أراد برب الناس الأطفال لأن معنى الربوبية يدل عليه وبملك الناس الشباب لأنّ لفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه، وبإله الناس من الشيوخ لأن لفظ الإلهية المنبئ عن العبادة يدل عليه، وبالذي يوسوس إلخ الصالحين لأن الشيطان يطمع بإغوائهم وبمن الجنة والناس المفسدين لعطفه على المعوذ منه فهم أكثر من غيرهم لقرب لحوقهم به.
اخرج مسلم والترمذي والنسائي ان رسول اللّه قال: «أنزلت على الليلة آيات لم أر مثلهن قط: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}»، وجاء عن عائشة «ان رسول اللّه كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات (الإخلاص، والفلق والناس) وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيديه رجاء بركتهما»، أخرجه مالك في الموطأ وللبخاري ومسلم بمعناه، وروى البخاري ومسلم «أن رسول اللّه كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ المعوذات ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثا».
هذا وما قيل إنه صلى الله عليه وسلم سحر من قبل اليهود في المدينة وصار يتعوّذ بهما ولم يزل حتى برئ، فبعيد عن الصحة، لأن هاتين السورتين نزلنا بمكة في أوائل البعثة ولا خلطة له ولا مراجعة مع اليهود حتى يغتاظوا منه فيسحروه وكيف يسحر وهو معصوم بعصمة اللّه، وقد نفى اللّه عنه وصفه بالسحر وحماه من السحرة وغيرهم، وعليه فكل ما ورد في هذا لا عبرة به ولا قيمة لناقليه البتة، وما قيل أن المعوذتين نزلتا بالمدينة لا صحة له، لأن القول المعتمد أنهما مكيتان وأن تعوذه بهما استدار للأمر به من سحر وعين وحسد وغيرها له ولأمته إلى يوم القيامة، أما كونه صلى الله عليه وسلم سحر في المدينة وصار يتعوذ بهما من السحر فغير صحيح.

.مطلب في السحر وعدم وقوعه على الأصول:

وكل ما نقل في هذا مطعون فيه.
والسحر حق لا ينكر وقوعه ولا يجوز نفيه لوروده في القرآن ووروده أنه مما يتعلم وأنه مما يكفر فيه وأنه مما يفرق بين الناس كما سيأتي في سور كثيرة من القرآن، فلا يمكن القول بعدم حقيقة السحر ومذهب أهل السنة والجماعة على ثبوته وأن له حقيقة كغيره من الأشياء الثابتة، ولا يستنكر عقلا لأن اللّه تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام مغلق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوى لا يعرفها الا الساحر، فإنه لا فاعل في الحقيقة إلا اللّه القائل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} الآية 96 من سورة الصّافات فما يقع من الساحر عبارة عن عادة أجراها اللّه على يد من شاء من عباده، وأن كل ما يقع في الوجود بقضاء اللّه وقدره، والاستشفاء بالرقي والتعوذ من قضاء اللّه وقدره، يدل على هذا حديث عائشة المتقدم وحديث اسماء الذي ذكرناه آخر سورة القلم المارة وفيه بحث نفيس فراجعه، وما رواه الترمذي عن أبي خزامة عن أبيه قال: «سألت رسول اللّه فقلت يا رسول اللّه أرأيت رقيا نسترقي بها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر اللّه شيئا؟ قال هي من قدر اللّه».
وقال عمر نفر من قدر اللّه إلى قدر اللّه.
وزعم بعض المبتدعة أن ما جاء في حديث عائشة المتفق عليه الذي رواه البخاري ومسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل اليه أنه يضع الشيء ولم يضعه إلخ. يحط من منصب النبوة ويشكك فيها وتجويزه يمنع الثقة بالشرع، وهو كذلك فيما يتعلق بالدين فقط لأن الدلائل العقلية والنقلية قامت على صدقه صلى الله عليه وسلم وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة على ذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل، أما ما يتعلق بأمور الدنيا مما يعرض للبشر عادة فغير بعيد أنه يخيل اليه حال مرضه من أمور الدنيا مالا حقيقة له، مثل ما يتخيل الإنسان في المنام، إذ أنه ورد في رواية البخاري أنه كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن يبعد أن يتخيل مثل هذا في اليقظة حال المرض من حيث لا حقيقة له ومن قال أنه صلى الله عليه وسلم سحر أراد هذا المعنى لا غير لأن اللّه نزهه من أن يكون ساحر أو مسحورا فمن أول النّفاثات في سورة الفلق المارة بنيات لبيد بن الأعصم اليهودي وقال أنهن سحرن رسول اللّه وأن جبريل أخبره بذلك وأن السحر كان على مشاطة منه عقدن عليه إحدى عشرة عقدة ورموها بالبئر، وأن رسول اللّه حينما نزلت عليه المعوذتان أرسل علينا فأخرج المسحور عليه من تحت صخرة في ذلك البئر وجاء إلى حضرة الرسول وقرأ عليه المعوذتين وانه كلما قرأ آية انحلت عقدة لأنها إحدى عشرة آية والعقد إحدى عشرة عقدة إلى آخر ما ذكره المفسرون وجاءت به الأحاديث من كل حدب وصوب، لا اعتماد عليه ولا صحة ولا حقيقة له، إلا أن حضرة الرسول بشر فيصيبه ما يصيب البشر من المرض وغيره ويقع ما يقع منه مثل ما يقع منهم فيما يتعلق بأمور الدنيا، أما بأمور الدين والتبليغ فلا، لأنه معصوم من قبل اللّه ومحفوظ بحفظه لا يتطرق اليه شيء من ذلك أبدا قال تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم} الآية 111 من الكهف ومثلها في معناها كثير في القرآن قال القاضي عياض: قد جاء في بعض روايات هذا الحديث (الذي يعتقدون صحته) بنية أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه لا على قلبه وعقله واعتقاده وليس في ذلك ما يوجب لبسا في الرسالة ولا طعنا لأهل الزيغ والضلالة، ولو قال رحمه اللّه إن هذا الحديث قالوا بصحته فهو غير صحيح، وإنما اعتمد الجمهور صحته لكونه في الصحيحين، ولعمري ليس كل شيء مما في الصحيحين صحيحا قطعا، فإن فيهما الضعيف والمنكر، وإن البخاري ومسلم رحمهما اللّه وإن كانا من أحسن الناس نقلا لكنهما نقلا عن أناس قد يطعن فيهم، أو انه دسّ هذا فيما نقلاه، لأننا بعد أن نسمع أن اللّه عصمه من السحر ومن أن يكون ساحرا وأبطل بحقه سحر السحرة وكيد الفجرة، فكيف يسوغ لنا أن نصدق بأنه سحر، عصمنا اللّه من ذلك ولهذا البحث صلة في تفسير الآية 59 من سورة طه الآتية فراجعها.
هذا، واللّه أعلم وأستغفر اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى الأصحاب وأتباعهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الناس:
{الخناس} كاف لمن رفع ما بعده خبر مبتدأ محذوف أو نصبه على الذي بتقدير أعنى وليس بوقف لمن جره نعتا لما قبله.
آخر السورة.
وقال أبو عمرو ولم يزد الأصل في سورة الفلق والناس على قوله وليس في الفلق والناس وقف حسن يعتمد والله تعالى أعلم.
الحمد الله معلم البيان ومسدي التبيان والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي إلى سنن الرشاد الواقف لدعاء الخلق إلى الله في موقف السداد وعلى آله الذين اهتدوا بهداه واستمسكوا من الدين القويم بعراه وبعد فقدتم طبع هذا الكتاب الفائق البالغ النهاية فيما أودعه من المواقف على الحقائق وكان تمام طبعه بمطبعة الراجي من الله كمال الوفا حضرة محمد فندي مصطفى وذلك في أواخر ربيع الأول سنة 1313 هجرية على صاحبها الصلاة وأتم التحية آمين. اهـ.

.فصل في ذكر قراءات السورة كاملة:

.قال ابن جني:

سورة الناس:
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يختلف الناس في {مَلِكِ النَّاس} أنها بغير ألف.
قال أبو الفتح: ينبغي أنه يكون والله أعلم إنما وقع الإجماع على ذلك لأنه من جملة الثناء على الله سبحانه بالربوبية والإلهية، فكان معنى الملك أليق بالربوبية والإلهية من معنى الملك؛ إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا، فكما يوفق بين الألفاظ. في القوافي والسجوع والمقاطع ينبغي أن يوفق أيضا بين المعاني. اهـ.

.قال الدمياطي:

سورة الناس:
مكية وقيل مدنية.
وآيها ست مدني وعراقي وسبع مكي وشامي.
وخلافها آية الوسواس مكي وشامي.
وأمال الناس الخمس محضة الدوري عن أبي عمرو من طريق أبي الزعراء عنه وهو الذي في التيسير وبه كان يأخذ الشاطبي عنه وجها واحدًا وروى فتحه عنه سائر أهل الأداء قال في النشر والوجهان صحيحان عندنا من رواية الدوري وافقه اليزيدي والباقون بالفتح والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال عبد الفتاح القاضي:

سورة الناس:
{قل أعوذ} مثل ما في السورة قبلها.
{والناس} آخر السورة وآخر الربع وختام القرآن العظيم.
الممال:
{أدراك} الثلاثة بالإمالة لشعبة والأخوين وخلف والبصري وابن ذكوان بخلف عنه والوجه الثاني له الفتح وبالتقليل لورش.
{ألهاكم} و{أغنى} و{سيصلى} بالإمالة للأصحاب والتقليل لورش بخلف عنه.
{عابدون} معا و{عابد} لهشام. جاء لابن ذكوان وخلف وحمزة.
{الناس} الخمسة لدوري البصري.
المدغم الكبير:
{فأمه هاوية} {تطلع على} {كيف فعل} {فعل ربك} {والصيف فليعيدوا} {يكذب بالدين} والله تعالى أعلم. اهـ.